خاصية التصويرفي قصائد نورا إبراهيم - أصابع المطر

أصابع المطر

مدونة الأديبة الليبية : نورا إبراهيم

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

خاصية التصويرفي قصائد نورا إبراهيم


فتح الله المجدوب





إن منْ يقرأ و يستمع لقصائد الشاعرة الليبية ، نورا إبراهيم ..لابد له من أن يستقريْ تلك الخاصية الفنية إذا جاز التعبير.. فإلى جانب الإحتفاء بالكلمة والشفافية في طرح مضامين القصيدة والبراعة الواضحة في حبّك ونسج بنائها الداخلي وترتيب معطيات الفكرة المراد توصيلها إلا انك تستطيع أن تميز اشتغالها على أكثر من مفردة فنية وتقنية تشبه إلي حد بعيد تصوير الدواخل ونقلها عبر كلمات هي اقرب لصور ،.فعلى سبيل المثال في قصيدتها ( أنت وغربتي ) .يمكن استشعار الزمن وتحسس المكان ورؤية الشخوص والتفاعل مع الحراك المخفي للإحداث - وهذا ما يعرف في لغة المسرح بالمشهدية أوالتصوير وعلى الرغم من محاولة إخفاء الزمان في هذه القصيدة إلا انه بدأ واضحا ًجليا ً فقد كان اغترابها عن حبيبها الضبابي ممزوجا ًبذاكرة الطفولة ، وعبق رائحة الفرح القديم في كل قصائد شاعرتنا - والتي تصر على قدومه الآن ..فهي شاعرة اعتادت صناعة الحلم من ألواح الثلج وتكتل الضباب سرعان ما يذوب ويختفي لتواصل بعد ذلك ترحالها الدائم والمستمر في عمق الأشياء وما وراء الأشياء ، والكلمة لديها ليست عبثية لكنها مرتبة مصانة من اللغط والهزلية ولهذا نستدرك مدى اهتمام شاعرتنا بالتفاصيل مهما كان حجمها اللغوي .. ففي قصيدتها ( وطني) تبدأ أولا ً: برسم الخلفية الفنية لقصيدتها من خلال بانوراما الزمان والمكان دون إهمال الشكل - لهذا تأتي قصائدها مهذبة الحواف لا زيادة فيها تثقل عجز القصيدة ولا مبالغة ُتذهب رائحة الصدق مكانها وطنها مرتع الطفولة والبراءة وأحلام الصباء والزمن شمس صباحية مذهبة مخضبة بألوان قوس قزح والشخوص طفولة وردية نزقة عابثة بتفاصيل الحب والجوى - حراك محبب يتمدد عبر الشرايين والأوردة
:

وطني هل تشرع أبواب



قلبــــــــــك للشمـس



لطفولة بيضـــــــاء



لطفولة خـــــضراء



فنشيد حبك ياوطني
 
يملاء شراييني .. أوردتي



احمــــــــــــــــــل أرثـــاء



مجدا .. حلما .. علمــــــــا



فوثيقتي العربيـــــــــــــة



أزلية ياوطنـــــــــــــي



وهكذا نرى المكان - الوطن .. والزمن - الطفولة.. والشكل - الحب المتجسد في أسماء معانيه بتالي تشخيصه إلى مادة يمكن جدا ملامستها وإذا كانت تفصح عن أزلية عروبتها بارثا زمني متجذر في أوصال هذا الوطن -المساحة والبراح الفضفاض والحلم المتعالي في الأفق كم العلم المنسوج من ملاحم المجد- تسرب الشاعرة تعصبها وانتمائها للوطن على شكل صدى ملحن يخفي تلك المغالاةٍ في الحب وشاعرتنا تتمهل في بث لواعج قلبها ولا تتسرع في امتطى الكلمات.



ولكنها تتروي كثيرا قبل الإفصاح عن ميلاد قصيدتها- ولهذا تنساب كلماتها سلسة ناضجة مفعمة بالحب والحياة- فهي تملك خاصية التصوير من زوايا شتي .. فقصائدها محملة بذلك الرذاذ المطري الذي يلامس شغاف القلب بلا تكلف أوتصنع أومؤاربة .. ولعل من اطلع على قصائدها التي تضمنها مخطوطها ( أصابع المطر ) يكتشف سرعة الإنتقال إلى الأمكنة لدى شاعرتنا فهي تجيد لعبة الهروب بالأحداث إلى أماكن ترسمها وتحددها مسبقا وباقتدار ملحوظ بحيث توزع الأدوار والحواريات على شخوص قصيدتها لتكتمل بعد ذلك الصورة ..على أنها كثيرا ما تشد الرحال لإغتراب أخر في خواء القلب أو بحثا ًعن بسمة فجرعند المرافئ البعيدة .. تتفيأ ظلال الوطن وتشرع قلبها له وتصوغ شعرها ماء ًرقراقا ًعذبا ً يمسد تربة الوطن ، وفي أمسيتها الأخيرة التي أحيتها بـ(مدينة البيضاء) بدت أكثر تفاعلا ًوانسجاما ًمع قصائدها فخرجت الكلمات مبطنة مغلفة بعمق إحساسها الصادق .. والذي أكد تمكنها من أدواتها وحسن اختيارها لمفرداتها الشعرية فقد تجلت موسيقى الشعر في لهفتها وشوقها الكبير والظاهر لغد ٍ مشرق مترعا ًبالحب والشفافية تنغم صوتها وهي تطرق تلك الدروب والمسالك تغني للوطن وبالوطن وتزاحمت حروف وأنغام عذبة تسللت رغم الصمم إلى كل أذن أبت الاستماع فلف الصمت القاعة الكبير.. ذلك السكون المشوب بالترقب والاستمتاع باللذة الكلمة وعذوبتها





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق