أغاني ترقيص الأطفال - أصابع المطر

أصابع المطر

مدونة الأديبة الليبية : نورا إبراهيم

الاثنين، 22 مارس 2010

أغاني ترقيص الأطفال

أغاني ترقيص الأطفال كما يعرِّفها عبد السلام قادربوه في كتابه ( أغنيات من بلادي ).
" هي نصوص طويلة وجميلة في ألعاب البنات ،وقصيرة قد تكون مجرد نداءات عادية في ألعاب الذكور ، وذلك لأنهم يعتمدون في ألعابهم علي الحركة والتنقل ، بعكس البنات اللاتي يعتمدن في ألعابهن على التحرك في رقعة ضيقة ،ومن ثم يكون البديل للحركة هو الغناء". 
أغناني أو الترقيص الأطفال، وهي تمتاز بإيقاعاتها السريعة ، وموسيقاها المرحة، ونستطيع أن نلمح في هذه الأغاني الظواهر التالية:-
التفاخر بالحسب والنسب ، والكثرة، ومكانة الآباء ،والأجداد.
 تقدير المجتمع للذكور ، وتفضيلهم علي الإناث ، وذلك باستعمال عبارات واضحة مباشرة لا مجال فيها للتأويل.

تأكيد الدور الأمثل للمرأة في نظر المجتمع ، وهو الذي يتلخص في تربية الأطفال، ورعاية شؤون الزوج والبيت ، والتمسَّك بالشرف.
تتعدَّد أغاني ألعاب الأطفال ، ولكنها تنقسم إلى قسمين رئيسين: الأول أن يقوم إنسان كبير بتلعيب طفل صغير ، والثاني أن يقومالأطفال باللعب ،وحدهم ويرددون بعض الأغاني سواءً كانت فردية أو جماعية؛
أو كانوا أطفال ذكور أو إناث ،ومن القسم الأول نختار أشهر الأهازيج التي مازلت تردد حتى يومنا هذا ، وتسمي شعبياً باسم (الدبَّاخ) ،وهي أن يمسك الشخص الكبير بيد الطفل اليمنى ،ويضع كفه على كف الطفل بشكل الضرب الخفيف ،وقد أورد الباحث أحمد بوزيد في مخطوط كتابه ( ومضات من التراث الليبي ) هذه النماذج:-
دبَّاخ .. دبَّاخ .. دبَّاخاجريو المراح .. لغا الحليب وراح
يا راعي الشويهات ريتشي جديات ؟
ويرد الطفل : لا.

،ومن ثم يمسك بأصابع يد الطفل ويقول:
هذا المغيرف
وهذا المسيوط
وهذه الغريفه
وهذه الزليفه
وهذه القسيعه

ويستمر في الحديث ويقـول:-

،وهذه جرَّة الجديات جن منهنا ومشن من منهنا .
ويجر يده على جسم الطفل ويمر على وجهه ثم يقول وهو يشير ألي فمه : شاربات من هذا المعيطن يستمر في الحركة بيده حتى يصل ألي إبط الطفل ويقوم بدغدغته والطفل يضحك ، ويمكن أن تعاد اللعبة أو تلعب مع طفل آخر إذا كان هناك أكثر من طفل.

،ومن الأهازيج التي يرددها الكبار ، خاصة عندما يعطس الطفل فيقول :-
- طار السوّ ظهر من برقه ، واللِّي كرهك عاطه حرقه
،ومن الأغاني التي ترددها الفتيات أثناء لعبهن حيث يتم تشكيل دائرة ثم يبدأن في ترديد الأغنية التالية :-

يا ناقة يا سيدي حموده
يا جربه يا مغدوده
حيرانك دارن جضه
كيف النار اللِّي ميقوده
ميقوده في شط بحر
يا قلَّة قمح مبعثر
يطيحوا فيه الميَّاره
ألف جمل وألف اغراره
وألف نويقه هدَّاره
فيهم واحد يعرفني
قال سلامه يا بنتي
قلت اطويري شاغلني
قال طويرك ما يتغبَّا
سمح الجنحان مربـَّا
ما ياكل غير احبارى
وإلاَّ لحم الغزلاني
،وعند نهاية الأغنية يجلسن القرفصاء ، ويضعن أكفهن

على ركبهن ثم يبدأن في النط ويغنين جميعاً:
هــــي هـــــا دح ** هــــــي ها دح
هـــــي هــــا دح ** زنقــــــه تردح

،وأغاني ترقيص الأطفال عادة ما تكون للأطفال الصغار في السنة الأولى ،والثانية من عمرهم ،وتكون من قبل الأم ؛أو الأخت ؛أو من أي امرأةً أخرى، والغاية منها هي تلعيب الطفل؛ أو عندما يبكي وهي عبارة عن أبيات منظومة تشيد به، وتتمنى له مستقبل باهر وتسمى في التراث الشعبي
بالترجيب ، وللولد أغاني تختلف عن البنت ،ومنها على سبيل المثال:

أغاني ترقيص الأطفال الذكور:


عونـه من راعاه مصبِّي    نطلب في الصـلاَّح وربـي
عونه من راعاه مروِّح       لابس جرد ومسك يفوِّح
بالخلَّه والعقد مـروِّح       م اللشعلبودور مـربِّي

عونه من راعاه محدِّر       باني بيت ومال مصدِّر
يعزم ع الضايف ويقدِّر     والجيران حذاه مْـربِّي
عونه من راعاه كبير      راكب فوق حصان طريـر
يمشي حاكم ع المودير      يخلص دين اللِّي متغبي

*****

طيبه طيبه        نعنها كل حبيبه تْجيبه
طيبـه طيـِّب   م الناثيياخـذ ويسيِّب
نين يْجيب الوجه الطيِّب
طيب رطوبة   ورَّاداته عشـر اثلوبه
والخادم تغسل لّه ثوبه
وإبله ترد علي مرتوبه
والعبد يهجر مركوبه

*****
جيب جبر  يا جيب جباره    يبني بيت كبير القاره
والخادم تبـرم بكتاره     والعبد يهجِّر في امهاره
جيب جبر يا جيب جبر     حصانه كيف السبع يهرّ
وسوطه في ليد مفجر       مكوع كيف الطير الحرّ

*****
بعد هالحال من الحظك     بعد ها الحال
على كوت امكلف بجلال

فارس فيـك ثلاث أفعال     عمارة بيت وزين أعمال





يا من راه ويا من راه
بعياله ماشيين وراه
والخايف ماشي بضراه
يا من راه ويا من راه

****

هالوليد الله ينجَّى        بيته للخطَّار مقجَّه
وإن جاء للميعاد يقجه
******
تيه وتيه .. تيه وتيه ..
روَّح فوق أزرق شاريه
وذيله بالعزِّ محنَّيه
ميَّة ريله عاطي فيه
علوقه ساع ومستشويه
وبنت الباشا تفرح بيه
وبوه بخيل يْعارك  فيه
وأمَّه حزَّازه ما تعطيه

كذلك من أهازيج الترجيب للأطفال:

نجَّك لي .. نجَّك لي
نين الذيب يخشّ الداره
يسكرف ما يطري حولي
ونين الحيـط يولِّي سكر
يقبى في الميزان رخي
ونين الضبع تجيـب حماره
اتقالب وتبيع وتشري
ونين الحوت يفوت إبحاره
يقبى ساكن كل حطي
ونين البسّ يزفّ الفاره
تقبى له زوجه شرعي

ومن أهازيج الترجيب الخاصَّة بالبنات:

يا بنتي ما جابوك عرب       يا بنتي مـا جابوك عرب
يا بنتي ما جابوك عرايب     يـا عيـن الشيهانالطايب
جية قرنك دار ضبايب           نوبــه ع الحاكم تضرب

يا بنتي ما جابوك عرب
ما جابوك نصارى
في توصيف هميل القاره
فيك عيون تْقول غداره
واللِّي لاقيتيه اضرب


أنتِ عينك عين الجازي       أنتِ عينك سوده نجِّك لي
بنات عمِّك يا بنت الزين       زلط فجره وانتِ صافي

من لحظك وأنتِ في جربي ( الجرد )
اتقنِّعبه يوم الغربي
خزر عيونك تحته يربي
طاح اللِّي جا في مصدارك
من لحظك وانتِ باسوارك
صايدتك لوعه من جارك
من الحظك وأنت بِرْداك
والخيل مرش في سِبَّاك
بجلاسك في وان غرارك

من لحظك والدملج فيدك
وعقودك واخذهن ريدك
من لحظك في الشال تواسي
وصيتك دوختي رأسي
وأطلقتك تختاري بيدك

*****

يا حمره كيف الفيلالي
ما عمرك وجعتي والي
كيف اللوشه
أنتِ فجره مانك مغشوشه
تنباعي بالسوم الغالي

*****

يا بنتي يا شبه العفاط
اللِّي هامل في كل ابساط
غثيثك جبَّا ع المشاط
اركيِّب من العياط جفل
نجَّك يا شبهة لريل
اللِّي جاء ع العلو أوقيَّل.

*****
بنتي ما حاجة حزَّار (( البخيل ))
ولا حاجة زرَّاع شعير
بنتي زَيْنَه وبوها زَيْن
اتحوِّد ع الناس العفنين
بنتي ما حاجة مهبول
اللِّي يكذب وقتاً ما يجوْل

*****
نجَّك يـا عين الغالي
انعنها تعرف ما في بالي
ما تقبى للعفنين مداس
العفن إن كان طمع بشراك
ديري دونه حد وساس
واشقي بناس شرفهم عالي
والخادم في البيت اتلالي
حلوانك قيسا عشر اجمالي
كسوتهم لك مي بفلاس

*****
،وتقول الباحثة سالمين خليفة ، وهي من مدينة سرت الخالدة من المنطقة الوسطي في ليبيا عن ترجيب الأطفال  - فتعرفها علي لأنها:-   أهازيج 
_ تقولها  الأمهات، وهن يقمن بترقيص بناتهن الرضيعات ..
من شبحك وانتي بسوارك
متخبل طايح جرجارك
تلوي في الشال علي ازرارك
وتشيلي القانون لجارك
من شبحك وانتيبالجربي
تتقي به يوم الغربي
شبح عيونك فيهم يربي
طاح اللي جاء في منظارك

فالأم هنا تريد أن تكون ابنتها معززة، ومدللة تختال بأساورها ،وحليها ،وتجرجر ردائها في اعتزاز ،وخيلاء تضع فوق رأسها الجربية(غطاء الرأس) صونا لها من الحر  بينما يتراقص خصرها في هيف ،ودلال حينما تلف عليه الشال ، وتقول الباحثة (سالمين خليفة) أن الشال هنا دلالة على تفاني الفتاة في القيام بالأعباء المنزلية من تحضير الطعام ،وغزل البسط ،والحلب ،والمخض، وغيره فيقال(تحزمت فلانة) أي استعدت للقيام بعمل ؛أو مجهود ،وأخيرا ،وكأن كل هذه المعاني لا تكتمل إلا بسيد المناقب ألا ،وهو الجود، ومراعاة ،ومشاركة الجار فالقانون هنا هو الواجب من الطعام والشراب وغيره ؛أو ما يعرف في العامية( بالضوقة)

-   وتقول الباحثة عن  والدتين احدهما لولد، والأخرى لبنت تتفاخران - كلا منهما على الأخرى بما ولدت فيكون الفوز ،والفخر في النهاية لوالدة الفتاة :
تقول الاولى :

بنتي خير من الف ولد
راسي مالحكة يبرد
قسمي مالدحية (من الدحية)يقعد

فهي تفخر بأن بنتها أعظم شأنا من ألف ولد كونها حافظة سرها، والمستمعة لشكواها فعندما تقول (راسي مالحكة يبرد) ؛ فهي لا تقصد الحكة بمعناها العادي بل هي كناية عما يسهر الرأس ،والعقل من مشاغل ،وهموم ففي إحدى القصص تزف فتاة فقيرة إلى رجل ذا سلطان وجاه ،ومال ..فكان كلما دخل عليها الخدر وجدها تبكي حتى إذا ما سألها عما يبكيها ردت باكية :
أرجوك أريد مشطي، ومرآتي .
فيرسل خدمه ليجلبوا لها أمشاط ،ومرايا مصنوعة من العاج، ومصقولة بالذهب فتأبى إلا أن تصر على مشطها، ومرآتها اللتين تركتهما عند أهلها ..، وحين استشار زوجها إحدى عجائز القبيلة الحكيمات .. ابتسمت ،وقالت له ما تقصده بمشطها ،ومرآتها هما والدتها وأختها فهما الناصحتان لها والقائمتان على شؤونها وإسرارها..) .
أما عندما تقول قسمي مالدحية يقعد .. لأن الابنة لا تنسى أن تتقاسم مع أمها حتى ما هو زهيد ،وضئيل ،وقليل .

وهنا ترد أم الصبي هازئة :

أوليدي خير من ألف أبنية
اللي ضحكتها كركركر
اللي ضوقتها تحت الباط
اللي فزعتها غير اعياط

وهي تقصد بأن البنت لا تجيد إلا اللهو، والضحك ،والتي تستحي من تجود من خير بيت زوجها أمام الناس فتخفي (الضوقة) التي تريد أن تحملها لأهلها تحت إبطها خوفا من يلحظها ويلومها زوجها أو أهله ؛لأنها ليست من حر مالها بل هي هنا كمن يسرق شيئا.. ،وتقول أم الولد أيضا بأنه إذا نادي منادي الحرب أو الجهاد أو المدافع عن العرض ،والشرف فإن البنت لا تحسن إلا الصراخ .. الخ)

تسلم والدة الفتاة بأمر ما فيه مغزى عميق جدا كونها في النهاية حتى ،ولو بدت ابنتها ضعيفة الجناح ،وما إلى ذلك من قلة الحيلة إلا أنها هي من سيجعل ابن تلك المرأة المتفاخرة رهن بنان والدتها ،وعزوة ،وسند لها .
ماتفرحي يم الولد
بكره بنتي تاخذه
ويبقالي عالي السند
وغالي بيتك ناكله

-        ولعلنا نذكر رجاجيب الحاجة رابحة فضيل البرعصي  بالبالغة من العمر حوالي الستين ونيف  عاما ،و التي قالت عن ترقيص الأطفال ،وهدهدتهم في ترجيبة البنات ،والأخرى  للأولاد.

- ففي ترجيبة البنت تقال عادةً ،وكما أخبرتنا الحاجة رابحة فضيل :

-

ـ يالولل ..ويالولال
جاب عبيد وجاب اجمال
وجاب ذهب ماله كيال
قالت والله ما نا باله
بوها مستشوي مازال
..وكاثر عيبه في المرسال
حنك باتت حرجانه
وسيدك طفا نيرانه
وقالت اشوي في بنتي نا


-        فكلمة (يالولل ..ويالولال ) عبارة عن نغمة ليضبط بها الوزن ،ولكي تنبهه   المستمع علي الوصف الذي سيأتي بعدها ، وهنا تريد أن تقول :- العبيد ،والجمال ،والذهب الكثير جدا  ليس له وزن فهو  قليل في مهر ابنتها ؛ فابنتها أغلا من كل الذهب ،والجمال ،والعبيد .

وفي ترجيب الولد أي عند ترقصيه بين اليدين تقول:



كيس كــُوْس- كـــيس كـــوس
العبــــد ايشــــدّ واهو يـــلبس


أي أن الأم تتمنى أن يكبر ابنها ويلبس ،والعبد الذي يخدمه يشد له الحصان كناية عن الثراء ،والغنى الذي تتمناه الأم لوليدها .
رانى نويت عزيز يا فال قول لي :رابحه.
ونرى أن هذه الأغنية تتحدث عن الفأل الحسن. 
وفي اليوم الثاني وهو يوم الحنَّة ، وهو تخضيب يد العروس بالحنَّة يغنين:
اللِّى عليه منذاجين  يا عرب وين غزالنا.
 وعندما يرجعن إلى بيت العريس يغنين:
حطَّينا عليه ختوم   عزيز بات لنا يا علم.
وهناك الكثير من النصوص التي تؤدِّي على إيقاع معين خلال هذه المناسبة ، وغيرها.

وكلها أغانٍ برغم بساطتها فهي جزء من المأثور الشعبى لأنها ترتبط بفرح الإنسان ، وكفاحه من أجل وضع لبنة صالحة على الأرض يقدسها..  وبين أهله الذين يحبهم ما دام قلبه ينبض بالحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق