قراءة في أدب خليفة الفاخري - أصابع المطر

أصابع المطر

مدونة الأديبة الليبية : نورا إبراهيم

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

قراءة في أدب خليفة الفاخري










في المستهل  قالوا : ( إن الأصيل هو الذي يحقق ذاته .. أو الذي يؤسَّس ذاته ، ويكسر الحدود ويحقق انعطافه المبكر فيه) .
الكاتب والقاص المبدع رحمه الله عليه  خليفة الفاخري قد دعم كتابته التي نضدها بأسلوبه الساحر والساخر فاتسمت بالبساطة وجمال لغته التي تنثر الأريج بين طيَّات كلماته التي اعتنى بها أيَّما اعتناء في خلق أسلوبه الأدبي الخاص به فلا غرو .. فإن لجمال أسلوبه وذاكراته الحاذقة ، وثقافته العظيمة التي تغذي عواطفنا وخواطرنا بدرجة مدهشة ، فقد رسم أدبه بفن محترفٍ محنكٍ في صنع عسجد بديع تتخلله الدهشة ، وإبداع يدل على بلوغ ونبوغ صانعه ..وأذكر أيضًا قدرته الفريدة في تصوير المكان ، وعشقه الكبير لبنغازي بأنفاس شوارعها وأزقتها .. 

ونقده للواقع والأشياء المعاشة في  الحياة اليومية في الفترة التي عاش فيها طفولته وريعان شبابه ، فاستطاع أن ينقل لنا تلك المواقع من خلال وصفه الدقيق والمحبَّب إلى القارئ البسيط والقارئ المحنك  ؛فالفاخري نقد كل ظواهر وتناقضات تلك الفترة دون مواربة ، وببراعة لا يتقنها سواه .
ففي مقالته الجميلة ( نحو الفردوس المفقود ) ص (245 )  من كتابه ( منابت الريح ) يقول :"  إلى صوت الريح النافذة إلى العظام مباشرة مثل الإبر ،متطلِّعًا إلى زمن الدفء.) 
كم تبهر القارئ هذه الصورة في روعتها ..! ، كما بالغ في الرقة إلى حدِّ البذخ ، ولهذا نجد الفاخري قد توثقت الصلة بينه وبين كلماته التي تترك أثرها وتأثيرها البعيد والعميق في نفوسنا ، بالرغم من أننا لم نعش زمنه ولا في مكانه ، فارتسمت كتابته برسم مدهش للغاية  في كل كتابته وخصوصًا في رائعته ( النورس ) حين يقول:
( أغلق الرجل الأبيض الشعر عينه قليلاً ، مقطبًا ما بين حاجبيه كأنه يتذكَّر شيئًا ما ، أو كأنه يحس بألم حاد) ص (341)  منابت الريح .

وأيضًا في ( ثعبان الليل ) المنشورة ( بمنابت الريح ) ص (334) يقول :( تخرج الذكريات من شق قلبي مثل ثعبان ..تخرج زاحفة ، ملساء ، لامعة ، سلسة ، ملوَّنة ) أنني لا أدري أحيانًا إن كانت هي التي تفح أو قلبي ذاته )

وأيضًا من مقال نشر في صحيفة الحقيقة سنه 1966 إفرنجي  ونشر بكتاب ( منابت الريح ) ص 321  يقول : ( عندما تغزل ألف دمعة، وابتسامة جذلى في كلمة مشرقة ، نازفاً من أجل ذلك سماء عينيك ) .

ففيها مضمون ورصانة في الأسلوب ، كما يظهر اهتمامه الدؤوب بمقالاته ومراسلاته مع الأصدقاء ، وقصصه التي تتصف بأناقة الشكل وعمق الأثر في القلوب ، التي تدل علي تأصله في التعابير ، ومقدرته الكبيرة على باختيار الألفاظ بدقة ، والصدق في العواطف كما في رائعته ( منابت الريح ) يقول في ص380
 ( قلبي رحيب ، لكنَّ دروبي ضيقة ) أيضًا فإن لغته الحافلة بالمعاني الراقية التي تتمتع بالقوة الملاحظة ، وصدق في الإحساس المرهف مع استخدامه للنماذج الحيَّة كما في قصة ( بورويلة ) ولها أثرها البعيد في الحياة اليوميَّة هذه النماذج ساعدته أو بمعنى آخر دعمت جمال إبداعه وأدبه الذي أجاده بجدارة المتمكِّن من لغته ، وإحاطته بكل النواحي الفنية للنص قطعًا لها أثرها الحميد جدًّا في توظيف إبداعه الذي لازمت كتابته الشيقة والمنسجمة بين التفاصيل والأمكنة والواقع  ، فتميَّز بالابتكار في أسلوبه الخاص ، والواقعية المدهشة التي يصوِّرها لنا فشكَّل بهذا خصائصه الصلبة بلمسات مبدعٍ متميِّزٍ .

هناك تعليق واحد: