قراءة في فارس الميدان وبطل يوم الزوزات - أصابع المطر

أصابع المطر

مدونة الأديبة الليبية : نورا إبراهيم

السبت، 13 مايو 2017

قراءة في فارس الميدان وبطل يوم الزوزات





يقول أمير الشعراء أحمد شوقي عن الوطن:


وطني لو شغلت بالخلدِ عنهُ
                           نازعتني إليهِ في الخلدِ نفسي
===================================================
هي دراسةٌ في تاريخ الجهاد الليبي تناولت فارس الميدان السنوسي بوبريدان ، بطل يوم الزوزات ،متناولة حياته وجهاده ،
وهي دراسة تقدم أعظم وأنبل المواقف التاريخية لرجال أفذاذ ضحُّوا حبًّا للدين وخدمة للوطن ، دراسة  قدِّمت بلغة سهلة جميلة وجذابة تكشف النقاب عن مرحلة من مراحل الكفاح الوطني الطويلفي سبيل الحرية من العدوان الإيطالي علي لبيبا الحبيبة  في القرن المنصرم - كما أنهذه الدراسة الرائعة تستحق أن نطلع عليها فبالإضافة إلي متعة السرد التي يتذوُّقهاالقاري العادي البسيط  ـ  واستلهام العبر من المواقف التاريخية إلي جانب ذلك تتبعتاريخ الجهاد في ليبيا في نفس الوقت إضاءة عن حياة مجاهد  الشاعر ومراحل كفاحهالطويل الحافل بالبطولات والشجاعة والفروسية والحكمة والحنكة في المواقف الصعبةانه  المجاهد (السنوسى بو بريدان) سيرته وتفصيل حياته وظروف المعركة وأسبابهاومجارياتها وقصائده ، وها هو كاتبنا الدكتور إدريس فضيل سعد قد أعدَّ  دراسةتاريخية فريدة  في رأيي المتواضع هي الأشمل في موضوعها وموضوعيِّتها ، فهو يلقيالضوء بمنهجية فريدة مدهشة ، وتاريخية علي الجهاد في ليبيا عبر دراسة خصاصة لأشخاصربما غفل التاريخ عن ذكرهم  فقد ساهم مساهمة فاعلة في حفظ والتعريف للأجيال القادمةصاحب هذه الدراسة ، هو الدكتور إدريس فضيل سعد هو أستاذ بجامعة عمر المختار ،ومؤسِّس المعهد العالي للعلوم الشريعة في مدينة البيضاء ـ كما أنه يمارس الخطابة فيالمساجد والمناسبات الدينية  - وقد صدرت له العديد من الكتب والدراسات الأدبيةبأسلوبه المشوق السلس الجذاب  أختار لكم بعض العناوين من إصداراته :  كتاب بعنوانالشاعر الشعبي جعفر الحبُّوني وحياته وشعره وكتاب أحمد شوقي الشعر والشاعر وكتبأخرى لا يتسع المجال لذكرها   - وقد قام بالمراجعة الكتاب الدكتور صالح الطيبكمش.
اعترف من البداية أن الدكتور إدريس فضيل قد فاجأني في عرضه واستنتاجاته ،التي تعتمد على الحقائق الموضوعية ، والامتناع عن صياغة المواقف بناء على الذاتيةأو الحماسة الوطنية التي تميز الكثير من الدراسات والمراجعات التاريخية المشابهة ..
الكاتب  يلتزم بالحقائق والوقائع المثبتة ، ولا يذهب نحو التأويلاتالحماسية.. من هنا تبرز أهمية هذا الكاتب في دراسة جهادنا الليبي، والذي دفع الكاتبلهذه الدراسة إلى قراءة واقعية  كل ما وقع تحت يده من نصوص رواة  ومراجع ذات صلة  بالمجاهد، كما أشار الكاتب  في مقدمته ص(5) ( إنه ينبغي أن يكتب تاريخ ليبياالمجاهدة ، الآن ومن قبل الجيل الحاضر المخضرم ، والثقاة منهم خاصة ، غيرالمتحيٌزين لفئة أو قبيلة أو عقيدة أو مذهب سياسي ، وإلا فسوف تبعد الشقة ، وتتسعالهوة بين أجيالنا وبينه ، ويتطاول الزمان ، فيهمل أو يحرف ، أو قد تجد ظروف تحولدون تدوينه ، وأقرب من ذلك كله - في ظل المعطيات الحاضرة - أن يوكل أمر كتابته ،إلى قوم ينحرفون به عن الصدق والتجرد والموضوعية ، فيتناولون الحوادث بروح حاقدة ،ويطلقون العنان لمعتقداتهم السياسية ، وأحقادهم الشخصية ، فينزلقون إلى هاويةالتزيٌد والزيف ، ومن ثم يقدمون للأجيال زاداٌ فاسدًا ، وشرابًا أجاجًا ، وبذلكتخسر الأمة رصيدًا ثابتًا ، وأرضية صلبة ،تنطلق منها لتبني حاضرها ، وتخططلمستقبلها .
   ومحاولة منالسدِّ ثغرة صغيرة في هذا الرصيد الجهادي الكبير ، نتناول هنا السيرة الجهادية لعلممن أعلام عشاق الحرية ، ارتبطت مسيرته كلها ارتباطًا وثيقًا بالكفاح والجهاد ، فلاتكاد تجد له في حياته حادثة ، إلا ولها صلة بهذا الميدان.)).
طبعا لن أتحدثعن  كل مضمون الكتاب إنما سأحاول التعرض لأبرز ما طرحه الكاتب.
(كتاب يحتوي علىمئة واثنين وثلاثين صفحة من متوسطة الحجم) ، في البدء تمهيد ص (11)  الذي قالالكاتب ((  فأنت حين تقرأ عن أية معركة تلقى المجاهدين غالبًا هم المنتصرون ، قدأثخنوا في عدوهم قتلاً وسلبًا ، بينما تجد القوات المعادية لم تصنع شيئًا سوى أنهامهزومة ترتدُّ على أدبارها خاسرة ، تحمل قتلاها وتخلي جرحاها ، مخلفة في الميدانأسلحتها وأمتعتها ،  بينما يكون الحديث عن خسائر المجاهدين موجزًا مقتضبًا ،وأحيانًا غامضًا ، ولو كان الأمر كذلك في كل معركة ، أو حتى في أغلب المعارك ، مااستمرت حركة الجهاد عشرين عامًا أو تزيد ، يفعل الرواة ذلك ، وينسون أن الاعترافبهزيمة المجاهدين في معركة أو اثنتين ، أو في عدد كبير منها ، لا يغض من قدرهم ،ولا يحط من قيمتهم ، إذ لم يكونوا أكثر من جماعة أصحاب حق ، يشنون حرب عصابات ،ويكافحون دولة كبيرة متقدمة في زمانها ، قد أعدت ميزانية ضخمة لتمويل حروب ، كانتترى مستقبلها يتمثل في الانتصار فيها ، وأن نيل حصتها من العالم الموزع يوم ذاك،يعتمد على الغلبة فيها . فلا ضير على أولئك المجاهدين إن هزموا أمامها ، ولا لوميلحقهم ، بعد أن بذلوا أقصى ما في وسعهم  ، خاصة حين نأخذ في اعتبارنا الفروقالكبيرة بين غنى إيطاليا وفقر ليبيا يوم ذاك ، والفروق الكبيرة أيضًا ، بين جنودالطليان الذين ربتهم دولة منظمة ، ولقنتهم معاني الحرية والوطنية ، ومقاتلين حرموامن التعلم ، ونشؤوا في قبائل مبعثرة ، عدتهم إيمان بالله ، وحب فطري للأرض التيولدوا فوقها ، صحيح أنهم كانوا يستخدمون أسلوب الكر والفر ، والهجوم المباغت ، ثمالانسحاب من الميدان مع أقل الخسائر ، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون بينهم قتلى وجرحى ،لاختلاف السلاح ، وأسلوب التخطيط .)) تليه تأملات في حركة الجهاد وهي تأمُّلاتمدهشة ص (12) أختار لكم ..( ومما هو جدير بالملاحظة أن الأدوار _ وإن بدت للنظرةالعابرة مبعثرة متباعدة ، ومتناثرة على مساحات واسعة - إلا أن هناك بينها خيطًارفيعًا خفيفًا من التنسيق والاتصال ، تظهر آثاره للعيان ساعة التفكير في الإعدادللمعركة ، ولذلك كان الفرسان كثيرًا ما يظهرون في مكان فجأة ، ليهاجموا العدو فيه ،أو ليستردوا منه ما سلب من متاع ، أو اقتاد من أسرى ،  وبينما يظن العدو أنهم قدانسحبوا من الميدان ، وأخلوا له المكان ، وأخلدوا للراحة ، يراهم يظهرون مهاجمين فيموقع آخر ، قد يكون بعيدًا عنه .
 وهكذا يتخذونأسلوب المفاجأة وسرعة الحركة ، وتوسيع رقعة المعركة ، وسائل لشل حركة العدو، وإرباكنظام كتائبه ، وبعثرتها ، واختراق تحصيناته ، مما حوَّل خطَّطه العسكرية المدروسة ،إلى فشل ذريع .
   هذا من نحو ،ومن نحو آخر ، فإن الطقس في ليبيا ، وخاصة في إقليم الجبل الأخضر ،في فصل الشتاء ،صعب قاس رديء ، وبالأخص في الأشتية التي كانت ثقيلة ، حيث يتساقط الثلج ، وتغيبالشمس عدة أيام .
   وعليه فالأمرالذي يشغل ذهني منذ أن عقلت ، وسمعت عن معارك الجهاد ، هو كيف كان المجاهدون ـ علىالرغم من قلة إمكانياتهم ، وكثرة تنقلاتهم ـ يمضون فصول الشتاء الطويلة ، التي كانتتغمرهم فيها الأمطار ، ويشحُّ عندهم الطعام ، وينعدم اللباس ، ويصعب عليهم ـ ليسفقط شن الغارات ـ بل صد تلك الغارات التي كان عدوهم ـ متحصنًا في آلاته الحربية ،مستعدًا بإمكانياته الضخمة التي توفرها دولة ـ يشنها عليهم ، منتهزا فرصة ضعفهم ،ومجاعة خيلهم ،وعجزهم تحت وطأة الشتاء القاسية .
   ومازلت أسائلنفسي ، كيف كانوا يمرضون ويتطبُّبون ، وكيف كانوا ينظفون أجسادهم ، ويغسلون ملابسهم، وإذا  كان الجنود الطليان يخضعون لنظام دقيق في أسلوب حياتهم ، من نظافة فيالمظهر ، ونظام في الغذاء ، ورقابة في  الصحة ، وإجازات من العمل ، فكيف كان حالالمجاهدين ، إن وضعهم كان على النقيض من ذلك كله ، إذ لم يكونوا يتبعون أسلوب الحربثم الراحة ، ولا يحكم حياتهم قانون دقيق  في الصحة والطعام ، ومع ذلك صمدوا فيميدان الحرب سنوات طويلة ، وهنا موطن العبرة والتميُّز ) .ثم ـ نسبه ومولد المجاهدالسنوسي بوبريدان ونشأته  حيث قال عنه الكاتب ص (20):
    ( لعل أهم مايلفت النظر في حياة هذا الرجل ، هو أنها كانت متميزة ، ولم تكن عادية ، إذ تميزت  بكثرة أسفاره ، أحيانًا بمفرده ، وحينًا ترحله بنجعه ، فقد كان يجوب إقليم برقة كله، من شماله إلى أقصى جنوبه ، عبر الواحات حتى الكفرة ، ومن غربه أقصى اجدابيا ، حتىأقصى مصر شرقًا ، وكانت هذه الأسفار سببًا في أن ينشئ علاقات ودية ، مع أشهر الرجالاللامعين في تلك الربوع ، من أصحاب العقول الكبيرة كالشعراء، ومحبي الخير من أهلالأموال والثراء، و(كسَّابة الإبل والخيل) ، وأشهر الفرسان ساعة اللقاء .
وربما كان عشقهللفروسية من أهم الأسباب ، في توثيق علاقاته بأهل الخيل والإبل ، فقد كان خبيرًابركوب الخيل ، دقيقًا في توصيفها واختيارها ، ومعرفة أجناسها وتنسيبها ، كما يقولعن نفسه  وعن قبيلته :   
 الدايم الله كناعرب ركابه      والمنسب الطيِّب نعرفوا في فرقه.
كما كتب الكاتبعن مواقف من حياة المجاهد منها إنقاذه لأسيرة ، وأيضًا عن مشاركات المجاهد السنوسيالمبكرة في المعارك  كمعركة الكراهب ولحوادث خولان وحادثة القيقيب  ثم تحدَّث عنصفات تميز بها المجاهد  ، يليه وصف دقيق لوادي الزوزات ومجريات المعركة ونتائجهاوالهجرة وأحداثها ، ومواقف من سيرة المجاهد السنوسي العطرة بعد العودة.. ثمَّالخاتمة ، وأخيرًا ملحق مصطلحات وردت في الكتاب

ختامًا .. هيدراسة مهمة ونادرة في موضوعها وموضوعيِّتها ، وهي تشكل قاعدة مهمة لدراسة الجهادالليبي في منطقة الجبل الأخضر بالتحديد ، والحياة الليبية عامة في عهد الاستعمارالإيطالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق