يقول الكاتب والأديب الكبير
عباس العقاد رحمة الله عليه قال :- ( لا خلاف أبداً علي بقاء الأزجال والمواويل
والأغاني الشائعة لأن أحداً من العقلاء لا يبلغ به الحمق أن يتصور أن أمة كانت أو
تكون بغير لهجة عامية تعيش جنباً إلى جنب مع اللغة الفصحى لأن تاريخ اللغات يدل
على حقيقة لم تتغير في عهد العهود ولا قوم من الأقوام ،فليبق الأدب الشعبي للشعب
كله وليتسع كما تتسع كل لغة لبلاغة الفصحى وطرائف اللهجات الدراجة) .
ولعل
كتاب ( لمحات في التراث الليبي ) للكاتب أحمد بو زيد المسماري قد سهَّل
للباحث والدارس للتراث الطريق للغوص في أعماقِهِ الواعدة بكلِّ ما هو مثير ومدهش ،
أيضاً الأجيال القادمة والمهتمين بدراسته وحفظه من الضياع والتحريف .
فقد
اعتمد الكاتب على الروايات الشفهيَّة ، وهذه في حد ذاتها مهمة مضنية
وشاقة لعدم وجود المراجع التي تسهِّل عليه عملية البحث والتحقق ، فقد جمع
المتناثر بين شفاه الرواة ، وقد وفِّق بكل اقتدار توفيقًا مدهشاًَ في
جمع المادة التراثيَّة الجميلة.
ولا
شك أن العمل المضني والصبر شهوراً طويلة ، قد كانت ثمرته هذا العمل الأدبي
الشعبي المميز الذي كلنا نتعطش إليه دائماً .. لما فيه ثراء لغوي ولقوته التعبيرية
، وقد قسَّمه لأقسام متعدَّدة رائعة ، فجعل : قسماً للأهازيج والأغاني الشعبية ،
وقسماً آخر لهجاوي الرحى- وبيت الجلاَّس- وترقيص الأطفال الترجيب - وغناوة العلم
-وغيرها من الحوارات والمساجلات والمطارحات الشعرية الفاتنة.
فتراثنا
الجميل فيه الحكمة المؤثرة ، والأبيات البليغة ، والأمثال المختزلة المعبِّرة ،
فضلاً عن دفقات فيَّاضة من المشاعر والأحاسيس المثيرة للدهشة ، كلماتها تهز
أوتار القلوب فنهرب إليها وقت الحاجة ونعجب بها ، وبما إن مكانتها الأثيرة في
أرواحنا تبعث الأريحية فينا ، فالشعر الشعبي أقرب إلى مكامن جراحنا، وتلملم بعض
أوجاعنا تنثال علينا لتخفف عذاباتنا .
وهناك
جانب آخر في تراثنا المضيء هو الجانب التاريخي فقد أرَّخ الشعر الشعبي
المتغيرات الاجتماعية والسياسية والوطنية ، ودعا لحب الوطن والتضحية من أجله
آنذاك ، يقول الكاتب ( يجب أن نحتضن تراثنا الليبي النفيس كما تحضن الأم
وليدها ، كما تحتضن السماءُ القمرَ والشمسَ والنجومَ ، وكما تحتضن قلوبنا الإيمان
بالله رباً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ديناً) .
قد
رسم الكاتب بوزيد الدهشة رسماً مذهلاً رائعاً من خلال( لمحات في التراث الليبي ) من البيئية التي عشقها وعشق تراثها وسماءها وفيافيها ،
وأضاء لنا جانب من تراثنا الجميل الحافل بمفردات وتعابير راقية وبأسلوب شيق .
عسى
أن يكون هذا الكتاب باعثاً على بذل مزيد من الجهد وحافزاً لنا ، والأجيال القادمة
بالاهتمام بتوثيق التراث ، وتذوِّق معانيه ومفرداته الرائعة والتأمل في عمق جمله
الجميلة التي تحمل الكثير من المعاني الراقية السامية التي تتميز بالشفافية
والرومانسية والوطنية ، فالتراث ملوَّن بأطياف الحياة ، وتراثنا مملوء ألقاً
ومدلولات معبرة ، و( لمحات من التراث الليبي ) موسوعة أدبية تراثية رفيعة المستوى
تحتاج منا إلى عمق في النظرة والتأمل كما يفسح المجال أمام الباحثين للتحليل
العميق لهذا التراث الثمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق