الحق يقال بعيداً عن كل مبالغة تحيِّرني الكلمات لكي
أنتقي أحلها وأعذبها وتكون في الوقت ذاته بعيده عن المجاملة لأنه شقيق والدي.
عمي الذي كان دائماً يغمرنا بالحبِّ والحلم
والدهشة دون أن يدري ، فتعلمنا منه حب الله والوطن والقراءة الذي ورثها
من جدي رحمه الله .
أيها الأعزاء من الصعب جداً أن أحدثكم عن الدكتور إدريس
فضيل لأنني أخشي كما أسلفت أن يؤول كلامي إلي إطراء أو نوع من المجاملة ، ولكن
أرجو أن تسمحوا لي أن أحدثكم عن شيء لم يخطر ببالكم هو أن أقول لكم إنني منذ
طفولتي قرأت الكتب التي كان يقرأها قبل أن أكون قادرة علي فهمها ، وكنت مستمعة
جيدة عندما كان يحدثنا عن القصص والروايات التي تناسب أعمارنا آنذاك .. فأنا لا
زلت أحمل له حباً قوياً وإكباراًً رائعاً جداً ، فعادة القراءة نقلتها عنه فالتصقت
بي .
لكنني سأحاول أن أرصد إحساس الكاتب ، ومميزات كتابته من
مبادئ وفضائل وأخلاق فاضلة يتجلى بها الكاتب في مقالاته وإرشاداته سواء الاجتماعية
أو الدينية في كتابه ( مقالات متعددة الاتجاهات ) وما تشكله شخصيته التي
تبدو لي شيئاً مضيئاً ، فشخصيته مميزة فريدة آسرة مثل نتاجه الأدبي الذي
يتميز بطابع ( الناسك ذي الصوفيَّة الراقيَة)
فيها الحكمة والإصلاح بمقالته الإنسانية الشفافة ،
فهي في غاية الجودة بأسلوب رائق شيق ، فضلاً عن شدة الإحساس المرهف ، الذي
يظهر في أسلوبه الأدبي الرصين ..، ومقالاته شديدة الحساسية في جوانبها الإنسانية ،
وفيها من الصدق والشفافية الشيء الكثير ، حيث يشدك الدكتور إدريس فضيل ، أو بمعنى
آخر أدق يجعل القارئ أو المستمع لمحاضراته التوعويَّة والإرشاديَّة يشعر بالانجذاب
إليهِ ، والإنصاتِ إليهِ بقلبه لا بأذنيه فقط ..
فهو مثقف حاذق .. قادر علي العطاء المميز ، داعياً
لبناء مجتمع راقٍ منفتح متمسك بأخلاقه ودينه ووطنيته ، ولعلَّ أبرز ما أود أن أقول
لكم في هذا المضمار إن الدكتور استطاع بأسلوبه الشيق ، أن يستقطب كل المهتمين
والناس البسطاء من محبِّيه وأصدقائه ومعارفه ، وأن يحذو أكثرهم حذوه في
إحساسه بالمسؤولية .
واللافت
للنظر هو فرادة هذا العمل الأدبي المهم الذي صنعته يداه البيضاء كنماذج في حياتنا
بدءاً بقضايا المرأة والثانوية العامة بين التسديد والتشديد ، وعن
صفقة الحوت في البحر ، وعن صفحات من روائع الجهاد ، وذكريات مدرس ، وعاشق
الخبز ..إلخ ...
فالدكتور إدريس فضيل وضعنا أمام دهشة القراءة المثيرة
وكأننا نسمع لأول مرة قصة عن الغزو الإيطالي ، وعن كفاح شعبنا خصوصاً دور المرأة
الرائع في أيام المحن والشدائد ، وما لاقته من مظالم أيام العدوان الإيطالي
، فصوره الرائعة والمؤثرة الآم (جازين) التي أسرها الطليان (ص 156 ) ، فقد
أوضح لنا دور الجدات الرائع في الجهاد ليجعلنا نفخر بهن ، وسرده لدور المرأة
، وما لاقته من ظلم وتعسُّف ، فمن حق المرأة الليبية المجاهدة أن تكرَّم ،
كما روى لنا قصصاً عن حكمتها وذكائها ، فقد عشق قصص الجهاد ، لما تظهر من بطولات
فائقة عند هذا الشعب لا سيما وقت الشدائد وخاصة دور المرأة فيها .
وهذه واحدة من القصص الرائعة التي تحتاج إلى من
يدوِّنها بأحرف من نور. ص (131)
وعن قصة سالمة ( وهكذا تعرَّضت الأسرة لعيش شديد
يهلكها لو لا أن سالمة خرجت في جنح الظلام تبحث عن إبل وماء . وشاء الحظ أن تعثر
على جمل ضال من الطليان وعليه برميلان خشبيان مملوءان ماء . فعادت به لتنقذ الأسرة
من الموت عطشاً ص(131)
لغته
السهلة والجميلة الراقية لها جلال وفتنة وإغراء الصور الناطقة ،لغته نابضة حيَّة
فقد نسج نوادر ( الهيلع ) الفكاهية المجاهدة فهو( واحد من رجال الجهاد مع
عمر المختار ، رجل قصير ( ململم ) خفيف الحركة ، فاقد لثلاث من أصابع يده اليسرى ،
وهو دائماً يشير بهما فيجعلك لا تملك نفسك من الضحك . صورته صورة صقر ، عينان
سوداوان واسعتان ، وأنف معقوف في جمال ظاهر .
ولكن الأهم من ذلك أنه شخصية مرحة ، يصنع المواقف
المضحكة يخطر على باله ( الطرح ) يمثله لك فتعجب كيف خطر له ، وكيف مثله . وهو
مشهور في هذه الناحية . حتى صار معروفاً بمؤامراته المثيرة المضحكة
).
فيها لوحة جذابة وإيقاعها المميز ربما لأنه يمتلك ملكة
الاستظهار أو الحفظ علي ظهر القلب جعلته ينجح نجاحاً باهراً في إعادة قراءة
تاريخنا ، وفي استرجاع كل ما سمعه وعاشه فغذَّى عواطفنا بالوطنية المدهشة ،
والإحساس بهموم الوطن والأشياء التي حولنا ، فقوة ملاحظته وولعه الشديد
بالماضي والحاضر أكسباه حساً مرهفاً ، وفي الوقت ذاته اتَّسمت مواضيعه بالحيوية
والابتكار ، فكتاباته ممتعة وعملية ، أقصد منطقية وقوية تهز القلوب والوجدان
فتتشكل صلابتها لمسات كاتب مبدع .
إما في كتابه ( شوقي الشعر والشاعر) عن أمير
الشعراء ، فيعتبر مصدراً مهماً جداً للمثقفين والمهتمين والدارسين لحياة وأدب
الشاعر ، فقد قدَّمه بأسلوب سلس فيه روعة وتشويق ، إذ عرض الدكتور إدريس
فضيل الدراسات التحليلية والنقدية بصورة مبسطة وجمال التعابير ، وركَّز علي
الإحداث السياسية والاجتماعية والدينية التي عاشها الشاعر آنذاك وتأثره
بها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق