المرأة وهجاوي الرحى: - أصابع المطر

أصابع المطر

مدونة الأديبة الليبية : نورا إبراهيم

الأحد، 21 مارس 2010

المرأة وهجاوي الرحى:


هجاوي الرحى أشعارٌ حِكرٌ على المرأة ، لأنها كانت تتعامل مباشرةً مع الرحى ، فهي رفيقة الرحى في بيتها ، تبوح لها بأشجانها وما في نفسها ..
كانت المرأة تعاني الكثير من التعب ، وتبذل الجهد الجهيد ، في إدارة الرحى بواسطة يد تصنع من الخشب ؛ تسمَّى الشظ ، فقد كانت تسلِّي نفسها أثناء إدارة الرحى بالغناء ؛ فيخرج النغم مختلطاً بصوت الرحى ، ومن يسمعه يجد فيه كثيراَ من التعابير عن التعب والمشقة الذي .. تلاقيه المرأة .. وفي معظمها الشكوى من تعب إدارة الرحى .. أو ما تلاقيه المرأة وهي حسَّاسة جداً بطبيعتها التي حباها أو ميَّزها ربُّ العالمين بها .. من فراق الحبيب .. وُبعْدهُ عنها  - فنجد كثيراً من الأغاني هي تعبيرات من المرأة عن الحب للوطن وللأسرة .. نجد بها أيضاً البكاء على الأطلال .. ففي هذه الأغنية التي تقول:
 الله يْعينهم لولاف ... أخطروا عاونوني ع الرحى ...

تدعو المرأة الله لأن يعيش حبيبها الذي ذكرته أثناء إدارة الرحى .. فكـأنه قام بمعاونتها بذكرها له ، وأخرى تحدث يديها اللتين تألمتا من إدارة الرحى عن البيوت التي كانت عامرة بأصحابها وأصبحت خراباَ /

اللِّي واجعه اليدين         خرابات بعد زين يا رحى . 

،ويقول الباحث أحمد يوسف عقيلة عن الرحى : " إن الرّحَىَ ليست مُجرَّد آلة خشنة ثقيلة.. إنها أحد مُتنفّسات المرأة في البادية.. فالمرأة اللِّيبية البدوية "تَفْزَع" في كثيرٍ من الأحيان إلى ضجيج الرّحَىَ..! خاصة في هَدْأَة اللِّيل.. على ضوء الفنار.. حيث يتماهَى الصوت البَشَري.. الأَنِيْن الأُنثَوي الحزين مع صوت الحَجَر.. وصوت القمح المَجْرُوش:  

إِن كان رَبِّي عَطَاك       يعِيْنَك عَلَى الدَّهر دِيْمة.
ترْمِي عَصَاتَك من اِيْدَك       عَوْجا توَلِّي سقِيْمة.

اللِّي طلَب يطْلِب الله       ويقُول يا كرِيْم المعاطي.
والعَبْد خَلِّيك منّه              لا يرفعَك لا يواطي.

زِيْن النّخَل في العَرَاجِيْن       وزِيْن المْرَا في السّوالِف.
وزِيْن الذّهَب في الموازِيْن     اِن كان طاح في ايْدَيْن عارِف.
علي كمل الدقيق              ذبلت يارحىيانا اللِّي
يا رَيتْنا ما ضنَيْنا              وَقتاً نوَيْنا الفْراقي.
واللِّي ضنَى ما تهَنَّا     واللِّي ما ضنَى بات شاقي.
ـ لَولاد ما يعملوا خَيْر               ورَبَّيتّم نَيْن صارَوا.
وانْهَفِّت عَلَيْهم كما الطَّيْر     ووَيْن نَبّتَوا الرِّيْش طارَوا.
ـ ناري عَلَى اللِّي غَرِيْب     في بلاد ما هي بلاده.
والفَم فاعل الخَيْر هَنِّيْه         وبالفَرْح تَزْهَىَ ايّامه.
ـ وفاعل الشَّرّ عَزِّيْه         توَلِّي عَلَيْه النّدامة.
 يَضْحَك ويَلْعَب         والقَلْب صابِغ سوَاده.

حتي وإن خمننْ اليدين      عزمي شديد وإنجي للرحي

     وهذه مهَاجَاة للطليان:

ـ يا رَبّ خَلِّصْ عَلَيْ خَيْر      نَيْن نخلْصُوا مِن جبَاهم.
  ناسَاً تحَاحِي عَلَى الطَّيْر      مِن خَوف ياكِل عَشَاهم.

     تحَاحي: تقول: حاححاح.. تعيب على المزارعين الطليان نَصْب الفَزّاعات في الحقول لطرد الطيور.
ـ ـ ـ
اَجْعَل كلّ مَمْدود مَرْدود      واجْعَل كلّ عَوجَا سقِيْمة.
واَجْعَل اخْطُوْرهمأَوْلافي        معَا هَبّ لَرْياح دِيْمة.
ـ ـ ـ

اخْذِي اللِّيل بالساعات     اسْمُوْر نَيْن يا لِيْد تَطْحَني.
ـ ـ ـ
اطْرِي بعِيْد ياكايْحِيْد     النَّوْم يا رحَىَ دَوْرَد عَلَيْ
وذكر أحمد بوزيد  في كتابه ومضات من التراث أن :-
     للرحى أهمية بالغة لدى أجدادنا فكانت تمثل لهم ركناً هاماً من أركان الحياة حيث يعتمد عليها بشكل يومي وذلك في إعداد الدقيق وكذلك في إعداد وجبة (الدشيشة ) وهي إحدى الوجبات الشعبية الشهيرة ولعل المثل لشعبي الذي يقول (نرجوه وهو في سبله يا بال في الرحى) أي ننتظر الطعام وهو مازال في سنابله لأن المراحل التي تلي ذلك سهلة حيث يتم حصد المحصول ثم فرك السنابل واستخراج البذور ويتم طحنها ومن ثم تصبح وجبة جاهزة.
والرحى نوعان من حيث الصنع ، هناك رحى يطلق عليها رحى طوري وهي تمتاز بلونها الأزرق ورقيقة الدفات وخفيفة الوزن ، يمتاز دقيقها بالجودة .
وهناك رحى تصنع من الحجر وهي ثقيلة وأقل جودة في طحن الحبوب .
والرحى تتكون من دفتين سفلية وعلوية لا يوجد بينها حاجز ويثبت في وسط الدفة السفلى مسمار من الحديد يدخل في فتحة دائرية بقطر خمسة سنتمتراً بالدفة العلوية التي تثبت بها قطعتين من الخشب على جانبي المسمار تسمى (الفرش) ويسمَّى هذا المسمار( قلب الرحى) ، وفي طرف الدفة العلوية يثبت قضيب من الخشب بطول قبضة اليد يسمى ( الشظ ) والذي يمسك به أثناء الرحي. 
،وأثناء طحن الغلال تردد النساء بعض الأهازيج التي من شأنها أن تخفف عنهن عناء العمل وعادة ما تحمل هذه الأهازيج إشارات معينة نحو موضوع ما وتختلف الأهازيج من أداء فردي من قبل امرأة واحدة وكذلك أداء جماعي تشترك فيه عدة نساء وكذلك تختلف أنوع الأهازيج فمنها ما يشبه غناوة العلم ومنها ما هو قصيد بعدة أبيات وتسمَّى هذه الأهازيج في تراثنا الشعبي بالمهاجاه أي المحاكة بين المرأة والرحى ، ومثال على ذلك مهاجاة بين بنت وأمها:
حيث تقول البنت:
يا حمامات لبراج       تعالـن عطنـي نباكن
خوي اللِّي مضحكه عاج      قالن بـرم من حذاكن
حنيِ تشيـع نظرها           وعيونهـا شاباتي
تهايالها زول خويا           وأن المغيرب يأتي

فتردُّ الأمُّ :

يـــا بنت جوك خطّار       عرب شرق ما تعرفيهم
حطي حطب واكبري النار    كنيب راه خــوك فيهم


وترد البنت:

خلِّيت عيني تشارف      وحطِّيت نفسـي رقيبه
على ضي عيني الغالي         أي مسارب تْجيبه

*****
ومن أغاني الرحى والمهاجاة:

يا ريت خوتي ثلاثين    وضنـا عمـي بزايد
لا يأكلوا لقمة الديـن       ولا يلبسوا جرد بائد
يا عوينكـن يا نجيمات     لتلحظـن في جباهم
يـا ريت فيَّ جنحان       نطير طيـر نقبا معاهم
قولـوا يا وليد راني مريضه    و لا لي دواء غير زولك
البعد جاء جوبه بعيده        و نا كايده فـي وصولك
مـا يوجعك غير من مات    ودانوا عليه اللحايد
إلاَّ بعيـد البلادات        يْجي مْعَ طول المدايد
خلـوا كحيله تقبل         عجاج الكراهـب عماها
دار البحر ما لها دار         راه تـرمـي ضنـاهـا
يـا خالـق الطير والحوت      لا مـا يكول لا رضاعـه
يْنجيكـم الله يـا غوالي        يا حـد رأس البضاعـة
يـا عون من شال في ليل      وخلاء ها البرغوث حايس
وحـط فـي شطيباً معطر       بعد السيل ما جاه دايس
نـا يـا رحى  كيفك انجضّ   مقلول كيفك هنايـا
مطاول معايا مرض         دايراتبيا سوايا
الصدر والكتوف وليد      ثلاث من الرحى واجعاتني
شديد شدّ حيل القِلب         قادر معاناة الرحى
الله يعينهم لولاف      أخطروا عاونوني ع الرحى
يا سعدي ناوياك         إن كان يا رحى مارس عمر
ديما عليك نميد           مليت يـا رحى يا نا اللِّي.
أشَّاظى من يْدي عظم   وعلاجه على سيد الرحى.

سفيت لاورا لكمام       بْغيض وين ما جيت للرحى.

ما تريد غير القمح         يـا رحاة بوي الخايبه.
اربيتي خزين الكاف      بلا بوق درتيه يا رحى.
حتى في الطحين يزيد    شعير يا رحى روس العرب
ليدين لولا العزم    عليك يا رحى  ما كمَّضن.
شِظيظ الرحى الرقيق     دبره دار فـي ليد شوبره
اسحى مـن الدبر يا عود      بعد عليك ليديـن سندن
لو حسبت شـظ العود     يقبى عذاب ليدي ما نجر
ربي كريم جاد عليك        بعد المير اوجاك الرخاء
مكتوب الشقـا ع اليد    الراحه لها ناس يا رحى
مكاتيب كيـف العمر        علينا منابـك يــا رحى
خزينك اللِّي في الكاف   جاء عليـك موحه يا رحى
نا يا رحى وين نطريك         يخطـر الغايب علينا
ينهال الدمع ويجيك         يبقـى دقيقــك عجينه



وهناك المهاجاة التي تتكوَّن من بيت واحد
مثل:

ـ القمح كان لك مقسوم     جديد تلعبي فـي حورته.
ـ عليشعابيه يا ليد       أصبح شعير وأنتِ راقده

ومن أغاني الرحى ما يشبه القصيدة مثل:

نا هلي ركَّابة الخيل       عـزّ المرا والغديدة
إن صار المعيَّط مع اللِّيل   جوا حصد فوق الغر يده
يوم الثناء مـا يهابــوه   كيف الولـد كيف سيده
بزناد مدهـون بالزيت        جـوهـر وعمله جديده


-      ومن قصص الجهاد اللِّيبي وذلك بعد زج اللِّيبيين بالمعتقلات وأصبح المجاهدين في وضع صعب للغاية .. بعد أن انقطعت عنهم الإمدادات بجميع أنواعها .. وفي ذات يوم كانت مجموعة منهم تبحث عن الطعام ووجدوا بعض الحبوب في أحد الكهوف ووجدوا الرحى وبدأ بعض منهم في إشعال النار و أحدهم تولى تنقية الحبوب والآخر أخذ على عاتقه طحن الحبوب وجهز الرحى وأخذ أول دفعة لطحنها وعندما دارت الرحى بدأ يهاجي قائلاً:

-      مغير ظلـم من الطليان     هزيز لحيتي فوق الرحـى
فردَّ عليه أحد أصحابه قائلاً:

تْجيه ساعته ويزول        سعد اليأس مـو ديما قوي

وبالفعل أتت ساعتهم ورحل الطليان وجاء جيل الوفاء الذي أخذ بثأرهم و أصبحت تضحياتهم مبعث فخر واعتزاز لنا نحن أجيال اليوم والأجيال الآتية. 

وهذه الهجاوة قيلت أثناء زجَّ اللِّيبيين في المعتقلات الجماعية من قبل الاستعمار الإيطالي البغيض حيث تركت المؤن فـــي مخازنها وهــي الكهوف وبذلك أصبحت بعيدة على الرحى الموجودة بالمعتقل مع صاحبتها:

الناس يحسبــوا ليدين   ولايــل علي ضيم الرحى
القمح واسكه بابــور        تباكا شغل بال الرحـى


،وفي هذه المهاجاة إشارة إلى المجاهدين اللِّيبيِّين الذين نفتهم إيطاليا للجزر الإيطالية النائية:


نْويرتي علي ليدين        شقاهن على طول عمرهن

ـ فيك ما دفع بارات        سحبك وين ما  طاح القمر.
ومعنى هــذه البيت بأن الرحى التي تطحن عليها هي مسروقة أثناء اللِّيل من قبل من أحضرها إليها:

يا ليد نـاويَّاك        يعطينا تقاوي للرحــى.
خذنا مراكب مير القمح    يا رحى إن كان يوجعك.

الصدر وين هزيتيه        تقاوى جضيضه  يا رحى
كلاهن صوابع ليد        شظيظ الرحى رايح اقند
شظيظ الرحى ملعون    طلب شعير جا دونه بحر
رحى ثقلها مْعلوم        يا ليد جيتيها عند.
عرقنا اللِّي قطار         مو حلال يا واكلينه
تحايا دبر ليدين        اللِّي قبل بريان يا رحى
بلاه ما يسير طحين        القلب راه ريسوم الرحى

ومن القصص التي ترتبط بالرحى قصة تقول :
كانت هناك امرأة متزوجة من رجل من غير قبيلتها ودارت الأيام وتحاربت قبيلتها مع قبيلة زوجها .. وتقطعت الأخبار والسبل بينها وبين أهلها .. وتريد أن تعرف أخبارهم وموقفهم في الحرب الطاحنة بين القبيلتين.
فأحضرت الرحى والشعير وأخذت تطحن وهي تهاجي وتقول:
يـا هلي يا زينين
   يا اللِّي عليكم انفافي
زعمه يوم ضرب المكوغط
  أثقال روز والاَّ خفافي

وسمعها عمها والد زوجها وأراد أن يطمئنها على حالة أهالها فرد عليها قائلاً:

هلك يوم ضرب المكوغط
أثقال روز ما هم أخفافي

وبهذا الرد عرفت حالة أهلها في الحرب وأتت الشهادة من رجل عدو لهم ولكنه قال الحقيقة التي تريدها زوجة ابنه.
وكذلك هناك قصة تقول:
إن هناك امرأة كانت تهاجي على الرحى فاقترب منها مجموعة من المجاهدين الذي كانوا يبحثون عن الطعام وكانت تردَّد:

بعد العام تلفى يوم             البعد يا الغالـي هوَّنَـك

فطلبوا منها تفسير ذلك فشرحت لهم قصتها مع شخص وعدها بالزواج ولكنه لم يعد منذ فترة طويلة و هي في انتظاره ، وبعد سماع القصة قرَّروا أن يبحثوا لها عنه وبالفعل وجدوه وأخبروه بأمر المرأة التي تنتظره وبما قالت فقرَّر الرجوع إليها لطلب يدها.  

ومن أغاني المرأة على الرحى يظهر الرمز واضحاً ، وفي بعضها يظهر المعنى واضحاً ودون حاجة لاستعمال الرمز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق